صوت الأمة  9/6/2003

قلبه حجر .. منتهى الإهانة للحجر !

اللغة العربية ليست خادمة فلبينية  تأكل وتشرب وتقبض مرتبها وتنفذ ما يطلبه منها سيدها وهي تدعو له بطول البقاء .. ليست قطة منزلية أليفة فقدت شهية الدفاع عن نفسها وأضاعت أنيابها .. ليست فصيلة من فصائل الدواجن ترقد على بطنها شهوراً .. ثم تكتشف أن بيضها فارغ .. وحملها كاذب . إن الذين يسخرون من اللغة العربية ويصفونها بالتكرار والإ ستطراد وعدم الدقة في تحديد معاني الكلمات بصورة دقيقة وقاطعة هم في الحقيقة الذين يستحقون السخرية.. ويجب عليهم أن  يلقوا ما بين أيديهم من أوراق وأقلام ويعودوا ليجلسوا في صفوف الدرس من جديد . إنهم على سبيل المثال يخلطون بين كلمات مثل الجسم .. البدن .. والجسد .. يستخدمون الكلمات الثلاثة بمعنى واحد .. وهو خطأ شائع .. وخلط لا يمكن التسامح فيه .,. فكل كلمة لها معنى .. وكل معنى له وظيفة .. وكل وظيفة لها تفسير .. الجسم : هو أي كتلة تشغل حيزا في الفراغ سواء كانت كتلة إنسان أو حيوان أو جماد .. والجسد :  هو جسد الإنسان وهو حي .. لقوله صلى الله عليه وسلم : " ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب " .. والقلب هو دليل .. وجسم الإنسان الحي يسمى جسدا .. أما إذا مات الإنسان فيسمى جسمه في هذه الحالة بدنا .. لقوله تعالى لفرعون عندما أدركه الغرق : " فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك أية " .. لقد غرق كل الذين كانوا مع فرعون .. لكن الله جعله يطفو فوق سطح الماء وهو ميت حتى لا يظن الناس أنه لم يمت .. فقد كان يقول لهم : "أنا ربكم الأعلى " .. " فاستخف قومه فأطاعوه" .. فلو لم يطف بدنه لتصوروا أنه ربهم الأعلى الذي لا يموت .. أو أنه كما قال لهم : " ما علمت لكم من إله غيري" . ولتحديد الفرق بين الجسد والجسم نقرأ قوله تعالى في حق المنافقين : " وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أني يؤفكون وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رؤوسهم ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون سواء عليهم استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم إن الله لا يهدي القوم الفاسقين " .. لقد كره المنافقون المجئ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .. والاستغفار عنده لتتحقق توبة الله عليهم .. لكن .. لأنهم كرهوا ذلك فقد قال عنهم القرآن إنهم أجسام .. فهم بلا قلوب حية .. ولو كان لهم قلوب حية لجذبتهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم طواعية .. يقول الله سبحانه وتعالى : " يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول صلى الله عليه وسلم إذا دعاكم لما يحييكم . ( مفروض أنهم أحياء) واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه " .. والمعنى : أن المرء دون قلب جسم يحتاج للحياة  حتى وإن كان يتنفس .. والمرء بقلب حي يستجيب للرسول صلى الله عليه وسلم هو جسد .. فإن ما في الحالتين فهو بدن . إن من جاءته الإشارات والدلائل والآيات التي تخاطب القلب وانسلخ منها وتنكر لها وتعامى عنها يستغفله الشيطان ويتبعه ويكون من الغاوين لقوله تعالى : " واتل عليهم نبأ الذي أتيناه آياتنا فانسلخ منها فاتبعه الشيطان فكان من الغاويين ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث " .. والكلب لا يزيد على كونه جسما لا جسدا . وإن كان هناك من الأجسام ما فضله الله على بعض القلوب .. يقول سبحانه وتعالى : " ثم قست قلوبكم   من بعد ذلك فهي كالحجارة وإن من الحجارة   لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله وما الله بغافل عما تعملون  " . وربما كان الجماد أرق من قلوب بعض البشر .. لقد كانت هناك علاقة بين النبي صلى الله عليه وسلم والجماد أحيانا تفوق العلاقة بينه وبين البشر من المنافقين .. لقد كان صلى الله عليه وسلم يخطب عل جذع نخلة فلما صنع المنبر له ارتقاه ليخطب عليه .. وكان الجذع بجوار المنبر فسمع الصحابة أنين الجذع في المسجد فنزل النبي صلى الله عليه وسلم من على المنبر وربت على الجذع واحتضنه قائلا : ما الذي يبكيك ؟ . فقال الجذع : يبكيني فراقك يا رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فطمأنه النبي صلى الله عليه وسلم أنه سيكون معه في الجنة .. ثم أمر الصحابة بتكريم الجذع ودفنه في المسجد .. والحيوانات أيضا تعتبر أجساما إلا أن منها ما هو أكثر حسا ورفقا ورقة من بعض البشر .. لقد ارتبط بعضها بعلاقة حب مع رسول اله صلى الله عليه وسلم .. والأمثلة كثيرة .. غير أن أقربها قصة البعير الذي تمرد على صاحبه وأبي الانصياع له بل وهجم عليه ليقتله فخرج النبي صلى الله عليه وسلم للقاء البعير وخشي الصحابة عليه من هياج البعير .. فتبعه عمر بن الخطاب قائلا: إن البعير في حالة هياج .. فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عمر .. وأبعد  الصحابة عنه .. فأتي البعير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .. ووضع رأسه على كتفه الشريف .. ومرة أخرى خشي الصحابة على الرسول صلى الله عليه وسلم فأشار إليهم أن اطمئنوا .. واحتضن الرسول رأس البعير وأخذ يمسح عليه بحنان النبوة حتى سكن البعير .. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أين صاحب البعير ؟ .. وجاء الرجل .. فإذا بالرسول يقول له : إن بعيرك يشكو قلة المؤن وكثرة العمل .. إن في جوف هذا البعير قلب يحوله من جسم إلى جسد .. بحب رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقد هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم على ناقته القصواء وعندما دخل المدينة تنازع أهلها من الأنصار للإمساك بزمامها والرسول فوقها .. كل يريد أن يستضيف النبي صلى الله عليه وسلم عنده :فقال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم  "  اتركوها فإنها مأمورة .. مأمورة .. إن تلك الناقة حيوان عرف الله فوضع الله في صدره قلبا يمتلىء بحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فتحولت من جسم إلى جسد . والنبات قد يحظى بهذه المرتبة أيضا .. روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ذات يوم وافقا في مكان وليس معه أحد من الصحابة فجاءه أحد المشركين ليقوله له : يا محمد صلى الله عليه وسلم من يشهد لك الان أنك رسول الله .. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : اذهب إلى تلك الشجرة واسألها أين رسول الله صلى الله عليه وسلم  . فقال الرجل : أتهزأ بي ؟ .. فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : إن شئت فعلت .. فذهب الرجل متندرا إلى الشجرة وسألها : أين رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ .. فإذا بالشجرة تتمايل يمينا وشمالا وتسعى نحو النبي صلى الله عليه وسلم       وترتمي تحت قدميه الشريفتين .. وكان يمكن ان ينطقها الله .. ولكن المشرك لم يرزق أذنا تسمع ما تقول تلك الشجرة . والطيور كذلك : يكفي اليمامة التي باضت على الغار لحظة أن اختبأ فيه النبي صلى الله عليه وسلم هو وسيدنا أبو بكر رضي الله عنه وهما في طريقهما إلى المدينة .. والعنكبوت الذي فرش نسيجه على مدخل الغار .. والثعبان الذي كان في الغار .. غار ثور .. لقد أراد الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبه أن يستريحا قليلا فوضع الرسول رأسه الشريف على فخذ سيدنا أبي بكر فوجد أبو بكر شقوقا في الغار فخشي على حياة النبي صلى الله عليه وسلم فخلع جلبابه وأخذ يمزقه قطعا ويسد بها الشقوق حتى نفد الجلباب وبقي شق واحد .. فوضع سيدنا أبو بكر عقبه على فوهة الشق فإذا به يحس بألما شديدا ولم يشأ أن يحرك رجله خشية أن يوقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكن شدة الألم كانت أكبر من تحمله فسقطت دمعة من عينه على خد النبي صلى الله عليه وسلم فأيقظته وسأله النبي صلى الله عليه وسلم : ما يبكيك يا أبا بكر ؟ .. فقال أبو بكر : أحس ألما شديدا في قدمي .. فلما رفع عقبه من فوة الشق فإذا بثعبان عظيم هو الذي لدغه .. فخاطب النبي صلى الله عليه وسلم الثعبان قائلا : ألا تعلم من أنا  ؟ .. قال : يا رسول الله .. هذه هي المشكلة ؟ إنني أعلم من أنت ؟ وقد أردت أن أدخل الغار لأراك وأراد صاحبك ان يمنعني من رؤيتك .. وأنا لم ألدغه لدغة الموت لكن فعلت ما فعلت لأراك فمسح النبي صلى الله عليه وسلم على موضع لدغ الثعبان فبرئ سيدنا أبو بكر على الفور .. وسمعنا من أقوال بعض الصوفية بيتا من الشعر يقول : سلام على من قال للضب من أنا .. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم  أرسلت للأمم .. ولا ينبغي أن يقول البعض إن هذه حكاية غير منطقية.. فليست هذه بجديدة .. وما ناقة صالح ببعيدة .. وأيضا ذئب يوسف .. وهدهد سليمان .. ولا حول ولا قوة إلا بالله ..