جريدة صوت الأمة

1 / 11 / 2004

دعاة يتجرأون على الله و يتجاوزون حدوده !

الدين . . علاقة نورانية بين العبد و ربه لا تقبل الوسطاء و التجار و السماسرة . . علاقة مدارها القلب . . لا تخضع لأحكام الطوارئ العرفية التي يفرضها بعض من ينسبون أنفسهم إلى الدعاة . . و يرتدون ثيابا أوسع منهم . . و يسبحون في مياه لا يقدرون عليها .

إنهم يسودون علينا عيشتنا . . و يجلسون على منصة القاضي مع أنهم يقفون مثلنا جميعا في قفص الاتهام في انتظار القاضي الأوحد و الأعظم . . سبحانه و تعالى . . في يوم الحشر العظيم . . إنهم يوزعون صكوك الكفر و الإيمان . . و بطاقات دخول الجنه و النار . . و يحكمون و يصولون و يجولون و يتجاوزون الأخلاق المحمدية و الإلهية . . و لا يتذكرون أن الله لا ينظر إلى صورنا و أجسادنا و إنما ينظر إلى قلوبنا و أعمالنا .

لقد كان النبي صلى الله عليه و سلم لا يوجه لوما لمن يخطئ علنا أمام غيره من الناس . . كان لومه غير مباشر . . يصل إلى من يستحقه دون أن يجرحه وسط أهله و صحابته . . كانت كياسته و حكمته تنافسان رحمته .

في يوم أكل النبي مع بعض الصحابة لحم جمل . . و أحس بواحد ممن حوله في المجلس يخرج ريحا غير طيبه . . وكان عليهم القيام للصلاه . . فشعر الذى فعلها بالحرج . . و منعه حياؤه من الوضوء حتى لا ينكشف أمره . . فأراد النبى أن يعفيه مما فيه فقال صلى الله عليه و سلم : " من أكل لحم جذور ( الجمل ) فليتوضأ " . . فذهب الجميع للوضوء بما فيهم الشخص المقصود الذي خرج من المأزق المحرج بفضل كياسة الرسول .

و لا شك . . أن الأخلاق المحمدية مقتبسه من الخلاق الإلهية . . لقد تخلف ثلاثة من الصحابة عن إحدى الغزوات هم و نفر من الناس . . فما انتهت الغزوة و عاد النبي إلى المدينة نصب شبه محاكمه عسكريه للمتخلفين . . و اخذ كل واحد من أولئك يبرر سبب تخلفه . . و يقدم عذره . . و لم يكن النبي يناقشه فيما يقول . . بل كان يصدقه على الفور . . و يسامحه . . رغم أنه يعلم بأن بعضهم ليس على حق .

جاء الدور على الصحابة الثلاثة وعلى رأسهم كعب بن مالك . . سأله النبي عن سر تخلفه . . فقال : " يا رسول الله و الذي بعثك بالحق . . ما كنت أحسن حالا و لا أصح بدنا و لا أهنأ عيشا من يوم خرجتم للقتال " . . و أعلن مسئوليته عما فعل . . و كرر الاثنان الآخران الشيء نفسه . . فكان أن حكم عليهم الرسول صلى الله عليه و سلم بأن يقاطعهم الناس مقاطعه مدنيه كاملة . . لا كلام . . لا بيع . . لا شراء . . لا مجاملات . و نفذ الجميع الحكم . . بمن فيهم الثلاثة أنفسهم . . فهم أيضا طبقوا الحكم فيما بينهم . . فعلوا ذلك حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت . . بل و ضاقت عليهم أنفسهم . . و ظنوا أن رحمة الله لن تسعهم أيضا .

لكن . . سبحانه و تعالى يقول : " لقد تاب على الله النبي و المهاجرين و الأنصار ............. و على الثلاثة الذين خلفوا ..........." قال" خلفوا " . . و لم يقل " تخلفوا " . . يعنى هم خلفهم الله . . ليجد سببا لنزول الآية الكريمة .

إن النبي لم يذنب و لا الذين آمنوا و لا المهاجرين و لا الأنصار . . الذين أذنبوا هم الثلاثة الذين تخلفوا. . لكن ذكر الله توبة من لم يذنب ( النبي و المهاجرين و الأنصار ) سببه ألا يستوحشوا من أذنبوا . .  عبارة" ربنا يتوب عليك " . . ليس شرطا أن تقال دلاله على ذنب . . فالنبي لم يفعل شيئا كي يتوب عليه . . لكنها الأخلاق النبوية . . و الأخلاق الألهيه .

لا أحد يتدخل بين الله و عباده . . إن من حق الذين يدسون أنفسهم في الدعوة أن يتحدثوا عن شروط و جوب العبادة . . و يعددوها . . و يتحدثوا عن شروط صحة العبادة . . و يعددوها . . و كفى عليهم ذلك . . لا يحق لهم التدخل في شروط قبول العبادة . . فهذا شأن الله وحده . . لا يرقى إليه بشر مهما كان .

يمكن أن نتحدث عن شرط  وجوب الصلاة و الصيام و الحج و الزكاة . . و يمكن أن نتحدث عن شرط صحتها . . لكن  . . شروط قبولها هو شأن إلهي تماما . . فمن الجائز أن تؤدى شيئا صحيحا و لا يتقبله الله  . . و من الجائز أن ترتكب ذنبا و يسامحك عليه . . إن شروط القبول تتوقف على طلاقة القدرة الألهيه . . و لا تتوقف على تقديرات الدعاة . . فلا أحد يعرف هذه الشروط . . لكنهم مع الأسف يدخلون في تلك المنطقة الوعرة . . و لا يقفون عند حدودهم .

يقول سبحانه و تعالى : " و عصى آدم ربه فغوى " . . ثم يضيف : " ثم اجتباه فتاب عليه و هدى " . . لم يقل أطاح به . . حتى يتوب عليه و يهديه . . فالله سبحانه وحده الذي يقبل و يرفض . . يتوب و يعاقب .

لو كانت هناك شروط قبول معلومة فكيف نفهم الحديث الشريف الذي يقول : " لا يقولن أحدكم و الله لن يغفر الله لفلان فيقول الله تعالى من ذا الذي يتألى على لقد غفرت له و أحبطت عملك " .

إن البعض يتأله على الله . . يتجرا على الله . . و هو يتصور أنه يدعو إلى الله . . و العبره في النهاية بحسن الخاتمة . . و حسن الخاتمة يتوقف على القدرة الألهيه  . . لا الدعوة البشرية . . و هو ما يسهل فهمه من حديث النبي الشريف : " لا يدخل أحدكم الجنه بعمله " . . قال صحابي : و " حتى أنت يا رسول الله " . . قال : " نعم . . إلا أن يتغمدنى الله برحمته " .

من حق الداعية أن يتحدث في شروط الوجوب و شروط الصحة لكن ليس من حقه أن يقترب من شروط القبول و لا يفكر فيها . . ليس من عمله أن يحدد هل تقبل العبادة أو لا تقبل ؟ . . لا يشغل نفسه بمنصة الحكم و القضاء . . عليه أن يخلى بين الله و عباده . . إنها حدود الله فلا تقربوها . . و من يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه .

لقد ظل شاب مريد يبحث عن ولى مرشد . . فسار على قدميه من أقصى بلاد المغرب . . و كان كلما التقى بشيخ لا يعجبه . . حتى وصل إلى جبل عرفات . . جب الرحمه . . فوجد شيخا منقطعا للعباده فأستأذن أن يكون له تلميذ و مريد . . و عندما حان وقت الصلاة وجد الرجل يقول كما أعتاد : " لبيك اللهم لبيك . . نويت أصلى " . . و بدأ الصلاة . . لكن الشاب وجد وراء الشيخ أصوات صلصلة الملائكة حجبت الشمس و هي تقول له : " لا لبيك و لا سعديك " . . و كأنها ترفض عمله . . فلما أنهى الشيخ صلاته لم يعلق التلميذ . . لكن بينه و بين نفسه قرر أن يرحل بعيدا عنه . . خاصة أنه في الصلاة التالية تكرر الشيء نفسه .

أستأذن التلميذ من الشيخ في الرحيل و عندما سأله عن سبب رحيله تحجج بشيء لا يحرجه . . وفهم الشيخ و قال له : " يا بنى إياك أن تكون قد غضبت من أولئك الملائكة . . إنني علي هذه الحالة من عشرين عاما " . . فقال الشاب : " و لماذا تواصل الصلاة ؟ " . . أجاب الشيخ : " إذا كنت أصلى و لا أنال رضاء الله فما بالى لو كففت عن الصلاة . . يا بنى أنا عبد و هو سيدي . . لو لم أعجبه فعنده غيري لكنني لو تركته فلمن أذهب . . إنني أصمم على الصلاة حتى يرضى و لو كان رضاه رفضي . . ما يفعل هو رضاء . . طالما رفضني فهذا يرضيه و أنا يرضيني ما يرضيه " .

جاءت صلاة الصبح . . الصلاة الأخيرة للشاب و راء الشيخ . . قال الشيخ : لبيك اللهم لبيك . . فقالت الملائكة هذه المرة : لبيك و سعديك و الخير كله بين يديك . . و شعر الشاب بالفرح . . لكن الشيخ قال له : أنني سعيد في المرتين . . أنا راض بما يرضيه . . فقال الشاب : وهل هذا الأمر يزيد يقينك . . قال الشيخ : يا بنى لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا . . يعنى لو ( شافه ) بعينيه ما زاد عنده شئ . . لو تحول إيمان الغيب إلى إيمان شهادة . . ما تغير شئ . . و لا حول و لا قوة إلا بالله .