لحظة نور

الفجرعدد رقم ( 72 )

أمية الرسول

القضيه الإسلاميه الشائكه التى يعجز البسطاء عن تفسيرها عن تفسيرها النبى الأمى الذى علمه الله كتاب الخلق ! الأمى الذى لا يقرأ ولا يكتب . . لكن . . هناك أميه من عينات أخرى أخطر وأصعب وأسوأ . . أمية المثقفين . . وأمية المفسرين . . مثلاً .

وقد كان النبى محمد أمياً . . لكنه . . علم البشريه ما لم تكن تعلم بعد أن أضاء الله قلبه وعقله بعلم لا يعلمه غيره . . وكان القرآن . . معجزته المستمره ما لم تكن تعلم بعد أن أضاء الله قلبه وعقله بعلم لا يعلم غيره . . وكان القرآن . . معجزته المستمره . . خير دليل على ذلك . . على أن القراءه المتعجله غير الواعيه لكتاب الله توقعنا فى أخطاء شاعت وأزمنت وباعدت بيننا وبين التفسيرات التى قد لا يصل إليها إلا الذين وهبهم الله بعضاً من النور السماوى .

ماذا يقول هؤلاء فى تلك القضيه الشائكه الصعبه التى تؤخذ علينا بجهل . . ولا نقدر على الفوز بها . . قضية أمية الرسول ؟

إن هذه القضيه شائكه وربما نقول إنها صعبه وتحتاج إلى مزيد من التركيز ونحن نفك أسرارها سراً وراء آخر . . وربما إحتاجت أن نقرأ تفسيرنا لها أكثر من مره . . خاصه أننى كتبته أكثر من مره .

يقول سبحانه وتعالى : " هو الذى بعث فى الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمه وإن كانوا من قبل لفى ضلال مبين " . . فهل بعث النبى للأميين رسولاً منهم ؟ . . هل النبى أمى من أميين وللأميين ؟ . . ولو كان كذلك فكيف لأمى لا يقرأ ولا يكتب أن يعلمهم الكتاب والحكمه ؟  . . وكيف وهم أميون يمكن أن يتعلمون الكتاب ولحكمه ؟ .

إذن لا بد أن يكون هناك معنى آخر لكلمة أمى غير المعنى الشائع الذى نعرفه ونستخدمه ونصر عليه . . لو حاولنا التفتيش فى قواميس اللغه العربيه لنكشف عن معنى أمى سنجد الفعل الماضى الثلاثى لكلمة أمى هو أمم . . ولوكشفنا فى الواميس نفسها عن الفعل الثلاثى لكلمه أخرى هى ام سنجد نفس الفعل الثلاثى أمم . . والفعل الثلاثى يسمى المصدر . . ومن ثم فمصدر كلمة أم هو نفس مصدر كلمة أمى . . وعندما يقول الله سبحنه وتعالى لسيدنا إبراهيم : " وإذ إبتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إنى جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريتى قال لا ينال عهدى الظالمين " . . وهنا نأخذ من الآيه كلمه ثالثه هى الإمامه لنجد أنها تشترك مع كلمتى أم وأمى كلمة إمام فى المصدر نفسه .  

وكلمة أم لا تطلق إلاعلى المرأه التى أنجبت . . وهى أصل لمن أنجبت . . فإن لم تنجب تكون فرعا لا أصلاً . . وكذلك الإمام . . لا يسمى إماماً إلا إذا كان هناك مأمومون تابعون . . ساعتها يسمى هو أيضاً أصلاً . . ولو أنجبت أبنة الأم أو أنجب إبنها يكون الأصل متصلاً . . أصلاً ممتداً على خلاف الإمام الذى تنتهى علاقته بالإمامه بإنتهاء علاقته بالصلاه . . ويسمى أصلاً منقطعاً .

الأم الوالده هى أصل لمولودها وما يتناسل منها . . هى أصل يؤدى إلى أصول . . ومن ثم فإننا نكون أمام مرحلتين . . مرحلة الأمومه . . أن تنجب المرأه فقط . . وتكون مجرد أصل . . ومرحلة الأميه . . وهى أن ينجب من لأنجبتهم . . وتكون المرأه أصلاً يمتد فى أصول أخرى . . فى الحاله الأولى نكون أمام أصل لفرع وتسمى أمومه . . وفى الحاله الثانيه نكون أمام أصل لأصول وتسمى أميه .

أما الإمام فليس أصلاً لفرع ولا أصلاً لأصل . . ليس من باب الأمومه ولا من باب الأميه . . وهذا واضح فى قوله سبحانه وتعالى " " إن إبراهيم كان أمة قانتاً لله حنيفاً " . . لكن . . هل كانت كلمة أمه من الأمومه أم من الأميه . . لا نعرف إلا إذا عدنا للآيه الأولى ( وإذ إبتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قا إنى جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريتى قال لا ينال عهدى الظالمين ) التى نجد إن الإمامه لسيدنا إبراهيم ليست له وحده ( وإلا كانت امومه فهو أصل لم يؤدى إلى أصول ) وإنما له ولذريته فتكون أميه . . أصل أدى إلى أصول .

إن تلك المعانى المحدده والمشتركه للكلمات الثلاث أمومه وأميه وإمامه هى مقدمه ضروريه قبل أن نعود لسيدنا محمد وقول الله سبحانه وتعالى ( هو الذى بعث فى الأميين رسولاً منهم ) . . والمشكله فى هذه الآيه القول بعث فى الأميين رسولاً . . فلو كان المقصود بها أهل زمانه وما سيأتى بعده كان الأولى أن يقول سبحانه وتعالى " هو الذى بعث إلى ( وليس فى ) الأميين رسولاً " . . ولو كان النبى بعث لمن لا يقرأ ولا يكتب يكون نيياً للأميين وليس للمتعلمين . . وكل من يتعلم يكون من حقه الخروج من دينه . . لكن . . ذلك لا يستقيم . .فالنبى أرسل للعالمين ( للأميين والمتلمين وللأنس والجن والأصول وأصول الأصول ) . . ومن ثم فإن كلمة أمى هنا ليس مقصوداً بها من لا يقرأ ولا يكتب وإنما المقصود بها أصل الأصول طبقاً لما سبق تفسيره وإرتباط كلمات أمومه وإماميه وأميه بمصدر فعل واحد . . فعل أمم

وبالفعل كان النبى لا يقرأ ولا يكتب  . . لقوله تعالى : " وما كنت تتلوا من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك " . . والمعنى أنك يا محمد لم تكن تقرأ وتكتب قبل الوحى . . لكن . . ما هو الحال فى قوله تعالى : " إقلاأ " . . أليس ذلك أمراً من الله ؟ . . أم يجعل الأمر بالقراءه قارئاً مع إحتفاظه بصفة الأميه بإعتبارها أصلاً لأصول وليس بإعتبارها جاهلاً بالقراءه والكتابه ؟.

إن الله عندما قال له إرأ . . إذن فقد قرأ . . وزالت عنه صفة عدم القراءه والكتابه .

. إقرأ هنا تعنى أنه قد أصبح قادراً على الراءه . تنفيذاً لأمر سماوى بالقراءه . . لكن النبى قال : ما أنا بقارىء . . وجملة ما أنا بقارىء فى حالة وجود شىء أمامه يقرؤه تعنى " لا أعرف القراءه . . لكن . . فى حالة عدم وجود ما يقرؤه تعنى ماذا أقرأ . . إن الله عندما جاءه إبراهيم وقال له إقرأ كان ممسكاً بيده كتاباً ولوحاً . . فكان فعل الأمر بالقراءه يرتبط بما فى الكتاب واللوح . . لكن . . عندما صدر أمر القراءه للنبى لم يكن هناك ما يقرؤه . . فاعاد جبريل عليه الأمر . . إقرأ . . مره أخرى . . ومره ثالثه كذلك . . وكان قول النبى ما أنا بقارىء بمعنى ما الذى أقرؤه . . فجاء الأمر الأكثر تفصيلاً من جبريل : " إقرأ باسم ربك الذى خلق " .

لو قلنا إقرأ باسم ربك الذى رزق يكون الكلام عن الرزق . . ولو قلنا إقرأ باسم ربك الذى أمات يكون الكلام عن الموت . . ولو قلنا إقرأ باسم ربك الذى بعث يكون الكلام عن البعث . . ولو قال سبحانه وتعالى للنبى : " إقرأ باسم ربك الذى خلق " يكون الكلام عن الخلق . . بدليل قوله تعالى : " خلق الإنسان من علق " . . ثم يأتى بعد ذلك ما يتعلق بالقراءه : " إقرأ باسم ربك الأكرم الذى علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم " .

هنا نتوقف قليلاً عند ثلاث كلمات ( المعطى والكريم والأكرم ) تتوازى مع الكلمات السابقه : الأمومه والإمامه والأميه .

إن المعطى هو من يعطينى أى شىء سواء كان يخصنى أو يخص غيره كى أوصله له . . هو من يعطينى شيئاً سواء كنت أريده أو لا أريده . . يكفينى أو لا يكفينى . . ينفعنى أو لا ينفعنى . . والكريم هو الذى يعطينى ما يخصنى وما أريده وما ينفعنى وما يكفينى . . أما الأكرم فهو الذى يعطينى ما يخصنى وينفعنى ويكفينى ويزيد .

 ونعود إلى قوله تعالى : " إقرأ باسم ربك الذى خلق " لنجد أن كلمة خلق هنا تعنى التعميم . . فقد خلق الله كل شىء ( حيواناً وإنساناً ونباتاً ) . . وكان من الضرورى أن يخصصها فأضاف : " خلق الإنسان " . . ثم خصصها أكثر وقال : " من علق " . . التعميم نجده فى كلمة " خلق " . . والتخصيص نجده فى كلمة " الإنسان " . . وتخصيص التخصيص نجده فى كلمتى " من علق " .

لكن . . ما الفرق بين العلق والعلقه ؟ . . لو كانت كلمة العلق تعنى العلقه لأصبح هناك إستثناء لآدم وحواء وعيسى لأنهم لم يأتوا من العلقه ولكنهم خلقوا من العلق . . والعلق هو أصل العلقه . . لقد خلق آدم من علق وخلقت حواء من علق ثم أنجبا ذريتهما من العلقه . . إذن العلق هو أمُ العلقه . . أصل أصل العلقه . . أمية العلقه . . فقد قال سبحانه وتعالى : " ألم يك نطفه ( يقصد الإنسان ) من منى يمنى ثم كان علقة فخلق فسوى فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى " .

إذن العلق هو أمية العلقه كما توصلنا . . لكن . . كيف يقرأ النبى باسم ربه الذى خلق الإنسان من علق ؟ . . كيف يقرأ النبى العلق ؟ . . كيف يقرأ أصـل أصل العلقه ؟ . .  كيف يقرأ أمية العلقه ؟ . . إن ذلك يعنى أن العلق . . علم أصل أصل الخلق . . علم أمية الخلق . . ومن هنا سمى بالنبى الأمى . . أوصاحب علم الأميه.

والأميه بهذا المعنى ( أى علم العلق أو علم الخلق ) .

تمتع بها من سبقوا رسول الله من أنبياء . . يقول نوح لله تعالى : " وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجراً كفارا " . . هنا نجد سيدنا نوح يفتش فى ظهور قومه بما يملك من علم العلق أو من أمية العلقه عن نور فلم يجد أثراً له . . لم بجد سوى الكفر والفجر . . فدعا عليهم لأنهم أصبحوا بلا فائده . . ولو لم يكن يملك علم العلق أو أمية العلق لم يعرف سوء ذريتهم .

والشىء نفسه نجده عند سيدنا عيسى الذى قال : " إنى أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله " . . هو يملك علم العلق . . يملك علم الخلق . . يملك أمية العلقه . . ويثبت ذلك أيضاً فى قول الله سبحانه وتعالى : " وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون فى بيوتكم " . . هذا علم غيب يأتى من علم العلق . . علم الأميه .

لذلك يطلق على الأنبياء الأميين . . يقول سبحانه وتعالى لنبيه الكريم  : " وأسأل من قبلك من أرسلنا . . لكن . . السؤال : كيف يسألهم وقد سبقوه ؟ . . والإجابه أنه يقدر على ذلك لأنه يملك علم العلق الذى يملكونه . . ومن ثم يقدر أن يسأل من سبقوه ويصلى خلفه من سبقوه ويقرأ باسم ربه الذى خلق الإنسان من علق . . لقد أعطاه الله كتاب العلق . . ومن ثم فإنه عندما يبعثه الله فى الأميين رسولاً منهم فهذا يعنى أن الرسل أميون ( يملكون كتاب الخلق أو العلق ) . . ومن ثم يكون التفسير أن الرسول الأمى بعث فى الرسل الأميين ولم يبعث إليهم . . وهذا يفسر لماذا كان حرف فى لا حرف إلى . . فهو الأمى الذى يملك كتاب الخلق وبعث فى باقى الرسل الذين يشاركونه الشىء نفسه .

والبعث يعنى إستيقاظ شىء موجود لا شىء يضاف إلى صاحبه . . فالرجوله موجوده فى الذكر منذ ولادته لكنها تبعث فى سن بلوغه . . ولا تضاف إليه فى تلك السن . . وموهبة الرسم موجوده فى الفنان وتبعث فى الوقت المناسب ولا تضاف إليه من خارجه . . إنها مثل طفل نائم ويصحو . . وبهذا المقياس فإن الرسل مخلوقون أميون ( نكرر بالمعنى الذى توصلنا إليه للأميه ) لكنه لا يبعث إلا إذا أذن الله له بالرساله . . إلا إذا بعث الله فيه صفات وخصائص النبوه . ., وهى الصدق والأمانه والكمال والعلم بالعلق . . وعندما يبعث الله محمداً فى الأنبياء فإنه يبعثه بصفات سابقه عليهم ويعنى أن وجوده سابق عليهم وإن بقيت بعثته أو رسالته لاحقه عليهم .

" هو الذى بعث أى هو الذى أحيا وأيقظ وأعطى الفاعليه وأذن بظهور خصائص النبوه التى هى أصل الأصل بالنسبه لسيدنا محمد . . هى أميته .

بعث هذه الصفات والخصائص فى كل الأنبياء فكانوا أميين . . وهو بعث نتج عنه تعليمهم الكتاب والحكمه وزكاهم وإن كانوا من قبله ( أى قبل أن يبعث فيهم ذلك ) لا يعرفون شيئاً وهذا هو الضلال المبين .

وهنا نسأل : هل سبق أن قرأ النبى حاله من حالات البشر باسم ربه الذى خلق ؟ . .

نعم . . عندما جاء إليه المشرك الذى كان يمسك بيده قطعه من العظام البشريه وقال له : يا محمد إنى يحيى هذه ربك بعد موتها ؟ . . فنظر النبى وقرأها باسم ربه الذى خلق ثم نظر إلى الرجل نفسه وقرأباسم ربه الذى خلق ثم قال له : يحييها ويدخلها الجنه ويميتك ويدخلك النار . . إنها قراءه تتجاوز ما هو واضح . . لأنها قراءه فى كتاب الخلق .

إن النبى يقرأ ما كتب الله فى الأزل . . ثم نزل قول الله تعالى : " وضرب مثلاً ونسى خلقه قال من يحييى العظام وهى رميم قل يحييها الذى أنشأها أول مره وهو بكل خلق عليم " .

إن الأمى من الأميه والأميه هى أصل أصل كتا الخلق الذى وهبه الله لرسوله الكريم فبعثه فى باقى الأنبياء الذين يتمتعون مثله بصفة الأميه ليزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمه . . ولا حول ولا قوة إلا بالله .